سورة النحل - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


{إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22)}
{إلهكم إله واحد} على معنى أن الإله واحد يوم القيامة نظير {مالك يَوْمِ الدين} [الفاتحة: 4] قال أبو حيان: ولا يصح هذا القول لأن {أيان} [النحل: 21] إذ ذاك تخرج عما استقر فيها من كونها ظرفًا إما استفهامًا أو شرطًا وتتمحض للظرفية عنى وقت مضافًا للجملة بعده نحو وقت يقوم زيد أقوم، على أن هذا التعلق في نفسه خلاف الظاهر، والظاهر أن قوله سبحانه: {ألهاكم} تصريح بالمدعي وتلخيص للنتيجة غب إقامة الحجة {فالذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالاخرة} وأحوالها التي من جملتها البعث وما يعقبه من الجزاء {قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ} للوحدانية جاحدة لها أو للآيات الدالة عليها {وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} عن الاعتراف بها أو عن الآيات الدالة عليها، والفاء للإيذان بأن إصرارهم على الإنكار واستمرارهم على الاستكبار وقع موقع النتيجة للدلائل الظاهرة والبراهين القطعية فهي للسببية كما في قولك: أحسنت إلى زيد فإنه أحسن إلي، والمعنى أنه قد ثبت بما قرر من الدلائل والحجج اختصاص الإلهية به سبحانه فكان من نتيجة ذلك إصرارهم على الإنكار واستمرارهم على الاستكبار، وبناء الحكم على الموصول للإشعار بعلية ما في حيز الصلة له، فإن الكفر بالآخرة وا فيها من البعث والجزاء على الطاعة بالثواب وعلى المعصية بالعقاب يؤدي إلى قصر النظر على العاجل وعدم الالتفات إلى الدلائل الموجب لإنكارها وإنكار موداها والاستكبار عن اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام والإيمان به، وأما الإيمان بها وا فيها فيدعو لا محالة إلى الالتفات إلى الدلائل والتأمل فيها رغبة ورهبة فيورث ذلك يقينًا بالوحدانية وخضوعًا لأمر الله تعالى قاله بعض المحققين.
ومن الناس من قال: المراد وهم مستكبرون عن الإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم واتباعه، فيكون الإنكار إشارة إلى كفرهم بالله تعالى والاستكبار إشارة إلى كفرهم برسوله صلى الله عليه وسلم والأول أظهر، وإسناد الإنكار إلى القلوب لأنها محله وهو أبلغ من إسناده إليهم، ولعله إنما لم يسلك في إسناد الاستكبار مثل ذلك لأنه أثر ظاهر كما تشير إليه الآية بعد؛ وقد قال بعض العلماء: كل ذنب يمكن التستر به وإخفاؤه إلا التكبر فإنه فسق يلزمه الإعلان.


{لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)}
{لاَ جَرَمَ} أي حق أو حقًا {أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} من الإنكار {وَمَا يُعْلِنُونَ} من الاستكبار، وقال يحيى بن سلام. والنقاش: المراد هنا بما يسرون تشاورهم في دار الندوة في قتل النبي عليه الصلاة والسلام، وهو كما ترى، وأيًا ما كان فالمراد من العلم بذلك الوعيد بالجزاء عليه، وأن وما بعدها في تأويل مصدر مرفوع بلا جرم بناءً على ما ذهب إليه الخليل. وسيبويه. والجمهور من أنها اسم مركب مع لا تركيب خمسة عشر وبعد التركيب صار معناها معنى فعل وهو حق فهي مؤولة بفعل. وأبو البقاء يؤولها صدر قائم مقامه وهو حقًا، وقيل: مرفوع بجرم نفسها على أنها فعل ماض عنى ثبت ووجب و{لا} نافية لكلام مقدر تكلم به الكفرة كقوله سبحانه: {لاَ أُقْسِمُ} [البلد: 1] على وجه. وذهب الزجاج إلى أنه منصوب على المفعولية لجرم على أنها فعل أيضًا لكن عنى كسب وفاعلها مستتر يعود إلى ما فهم من السياق ولا كما في القول السابق، وقيل: إنه خبر {لا} حذف منه حرف الجر و{جَرَمَ} اسمها، والمعنى لا صدأ ولا منع في أن الله يعلم الخ، وقد مر تمام الكلام في ذلك.
وقرأ عيسى الثقفي {ءانٍ} بكسر الهمزة على الاستئناف والقطع مما قبله على ما قال أبو حيان، ونقل عن بعضهم أنه قد يغني {لاَ جَرَمَ} عن القسم تقول: لا جرم لآتينك وحينئذٍ فتكون الجملة جواب القسم {أَنَّهُ} جل جلاله {لاَ يُحِبُّ المستكبرين} أي مطلقًا ويدخل فيه من استكبر عن التوحيد أو عن الآيات الدالة عليه دخولًا أوليًا، وجوز أن يراد به أولئك المستكبرون والأول أولى، وأيًا ما كان فالاستفعال ليس للطلب مثله فيما تقدم، وجوز كونه عامًا مع حمل الاستفعال على ظاهره من الطلب أي لا يحب من طلب الكبر فضلًا عمن اتصف به، وقد فرق الراغب بين الكبر والتكبر والاستكبار بعد القول بأنها متقاربة، والحق أنه قد يستعمل بعضها موضع بعض، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر ذلك آنفًا وأظنه قد تقدم أيضًا؛ والجملة تعليل لما تضمنه الكلام السابق من الوعيد، والمراد من نفي الحب البغض وهو عند البعض مؤول بنحو الانتقام والتعذيب، والأخبار الناطقة بسوء حال المتكبر يوم القيامة كثيرة جدًا.


{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)}
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} أي لأولئك المستكبرين، وهو بيان لإضلالهم غب بيان ضلالهم، وقيل: الضمير لكفار قريش الذين كانوا كما روي عن قتادة يقعدون بطريق من يغدو على النبي صلى الله عليه وسلم ليطلع على جلية أمره فإذا مر بهم قال لهم: {مَّاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ} على محمد عليه الصلاة والسلام {قَالُواْ أساطير الاولين} أي ما كتبه الأولون كما قالوا: {اكتتبها فَهِىَ تملى عَلَيْهِ} [الفرقان: 5] فالأساطير جمع اسطار جمع سطر فهو جمع الجمع؛ وقال المبرد: جمع أسطورة كأرجوحة وأراجيح ومقصودهم من ذلك أنه لا تحقيق فيه، وقيل: القائل لهم بعض المسلمين ليعلموا ما عندهم وقيل: القائل بعضهم على سبيل التهكم وإلا فهو لا يعتقد إنزال شيء، ومثل هذا يقال في الجواب عن تسميته بالمنزل في الجواب بناءًا على تقدير المبتدأ فيه ذلك، ويجوز أن يسموه بما ذكر على الفرض والتسليم ليردوه كقوله: {هذا رَبّى} [الأنعام: 77] وقيل: قدروه منزلًا مجاراة ومشاكلة.
وفي الكشاف أن {مَاذَا} منصوب بأنزل أي أي شيء أنزل ربكم أو مرفوع بالابتداء عنى أي شيء أنزله ربكم، فإذا نصبت فمعنى {أساطير الاولين} ما تدعون نزوله ذلك، وإذا رفعت فالمعنى المنزل ذلك كقوله تعالى: {مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العفو} [البقرة: 219] فيمن رفع اه، وقد خفي تحقيق مرامه على بعض المحققين، فقد قال صاحب الفرائد: الوجه أن يكون مرفوعًا بالابتداء بدليل رفع {أساطير} فإن جواب المرفوع مرفوع وجواب المنصوب منصوب ولم يقرأ أحد هنا بالنصب.
وقال صاحب التقريب: إن في كلام الزمخشري نظرًا وبينه بيما بينه وأجاب بما أجاب، وأطال الطيبي الكلام في ذلك، وقد أجاد صاحب الكشف في هذا المقام فقال: إن قوله أو مرفوع بالابتداء عنى أي شيء أنزله إيضاح وإلا فالمعنى ما الذي أنزله على المصرح به في المفصل إذ لا وجه لحذف الضمير من غير استطالة مع أن اللفظ يحتمل النصب والرفع احتمالًا سواء، وعلى ذلك يلوح الفرق بين التقديرين ظهورًا بينًا، فإن المنصوب وإن دل على ثبوت أصل الفعل وأن السؤال عن المفعول متقاعد عن دلالة المرفوع فقد علم أن الجملة التي تقع صلة للموصول حقها أن تكون معلومة للمخاطب وأين الحكم المسلم المعلوم من غيره، وإذا ثبت ذلك فليعلم أنه على تقديرين لم يطابق به الجواب لقوله في {قَالُواْ خَيْرًا} [النحل: 30] طوبق به الجواب بخلاف {أساطير} وقوله هنا كقوله تعالى: {مَاذَا يُنفِقُونَ} [البقرة: 219] إلى آخره فيمن رفع تشبيه في العدول إلى الرفع لا وجهه فإن الجواب هنالك طبق السؤال بخلاف ما نحن فيه، وإنما قدر ما تدعون نزوله على تقدير النصب لأن السائل لم يكن معتقدًا لإنزال محقق بل سئل عن تعيين ما سمع نزوله في الجملة فيكفي في رده إلى الصواب ما تدعون نزوله أساطير، وأما على تقدير الرفع فلما دل على أن الإنزال عنده محقق مسلم لا نزاع فيه وإنما السؤال عن التعيين للمنزل أجيب بأن ذلك المحقق عندك أساطير تهكمًا إذ من المعلوم أن المنزل لا يكون أساطير فبولغ في رده إلى الصواب بالتهكم به وأنه بت الحكم بالتحقيق في غير موضعه فأرى السائل أنه طوبق ولم يطابق في الحقيقة بل بولغ في الرد، ويشبه أن يكون الأول جوابًا للسؤال فيما بينهم أو الوافدين، والثاني جوابًا عن سؤال المسلمين على ما ذكر من الاحتمالين لا العكس على ما ظن، هذا هو الأشبه في تقرير قوله الموافق لما ذكره من بعد على ما مر. وجعل ما ذكره هنالك وجهًا ثالثًا وأنه طوبق به الجواب هاهنا وتوجيه اختلاف التقديرين ادعاءً ونزولًا بما مهدناه وإن ذهب إليه الجمهور تكلف عنه غنى اه. وقرئ {أساطير} بالنصب كما نص عليه أبو حيان. وغيره فإنكار صاحب الفرائد من قلة الاطلاع.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11